فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض}.
هذا استفهام يراد به التقرير؛ والمعنى: قد علمتَ ذلك، {إِنَّ ذلك} يعني ما يجري في السماوات والأرض {في كتاب} يعني: اللوح المحفوظ، {إِن ذلك} أي: عِلْم الله بجميع ذلك {على الله يسير} سهل لا يتعذَّر عليه العلم به.
قوله تعالى: {ويَعْبُدون} يعني: كفار مكة {ما لم ينزّل به سلطانًا} أي: حُجة {وما ليس لهم به علْم} أنه إِله، {وما للظالمين} يعني: المشركين {من نصير} أي: مانع من العذاب.
{وإِذا تُتْلى عليهم آياتنا} يعني: القرآن؛ والمنكر هاهنا بمعنى الإنكار، فالمعنى: أثر الإنكار من الكراهة، وتعبيسُ الوجوه، معروف عندهم.
{يكادون يَسْطُون} أي: يبطشون ويُوقِعون بمن يتلو عليهم القران من شدَّة الغيظ، يقال: سطا عليه، وسطا به: إِذا تناوله بالعنف والشدة.
{قل} لهم يا محمد: {أفأنبِّئكم بشرٍّ مِنْ ذلكم} أي: بأشدَّ عليكم وأكره إِليكم من سماع القران، ثم ذكر ذلك فقال: {النارُ} أي: هو النار. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السماء والأرض} أي وإذ قد علمت يا محمد هذا وأيقنت فاعلم أنه يعلم أيضًا ما أنتم مختلفون فيه فهو يحكم بينكم.
وقد قيل: إنه استفهام تقرير للغير.
{إِنَّ ذلك فِي كِتَابٍ} أي كلّ ما يجري في العالَم فهو مكتوب عند الله في أم الكتاب.
{إِنَّ ذلك عَلَى الله يَسِيرٌ} أي إن الفصل بين المختلفين على الله يسير.
وقيل: المعنى إن كتاب القلم الذي أمره أن يكتب ما هو كائِن إلى يوم القيامة على الله يسير.
قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ} يريد كفار قريش.
{مِن دُونِ الله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} أي حجة وبرهانًا. وقد تقدم في آل عمران.
{وما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وما لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ}.
قوله تعالى: {وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ} يعني القران.
{تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الذين كَفَرُواْ المنكر} أي الغضب والعُبوس.
{يَكَادُونَ يَسْطُونَ} أي يبطشون.
والسطوة شدّة البطش؛ يقال: سطا به يسطو إذا بطش به؛ كان ذلك بضرب أو بشتم، وسطا عليه.
{بالذين يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا}.
وقال ابن عباس: يسطون يبسطون إليهم أيديهم.
محمد بن كعب: أي يقعون بهم.
الضحاك: أي يأخذونهم أخذًا باليد، والمعنى واحد.
وأصل السَّطْو القهر. والله ذو سطوات؛ أي أخذات شديدة.
{قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذلكم النار} أي أكره من هذا القرآن الذي تسمعون هو النار.
فكأنهم قالوا: ما الذي هو شر؛ فقيل هو النار.
وقيل: أي هل أنبئكم بشر مما يلحق تالي القران منكم، هو النار؛ فيكون هذا وعيدًا لهم على سطواتهم بالذين يتلون القران.
ويجوز في {النار} الرفع والنصب والخفض؛ فالرفع على هو النار، أو هي النار.
والنصب بمعنى أعني، أو على إضمار فعل مثل الثاني، أو يكون محمولًا على المعنى؛ أي أعرفكم بشر من ذلكم النار. والخفض على البدل.
{وَعَدَهَا الله الذين كَفَرُواْ} في القيامة.
{وَبِئْسَ المصير} أي الموضع الذي يصيرون إليه وهو النار. اهـ.

.قال أبو حيان:

{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السماء وَالأرض}.
السطو: القهر.
وقال ابن عيسى: السطوة إظهار ما يهول للإخافة.
لما تقدم ذكر الفصل بين الكفار والمؤمنين يوم القيامة أعقب تعالى أنه عالم بجميع {ما في السماء والأرض} فلا تخفى عليه أعمالكم و{إن ذلك في كتاب} قيل: هو أم الكتاب الذي كتبه الله قبل خلق السماوات والأرض، كتب فيه ما هو كائن إلى يوم القيامة.
وقيل: الكتاب اللوح المحفوظ.
والإشارة بقوله: {إن ذلك على الله يسير} قيل: إلى الحكم السابق، والظاهر أنه إشارة إلى حصر المخلوقات تحت علمه وإحاطته.
وقال الزمخشري: ومعلوم عند العلماء بالله أنه يعلم كل ما يحدث في السماوات والأرض وقد كتبه في اللوح قبل حدوثه، والإحاط بذلك وإثباته وحفظه عليه يسير لأن العالم الذات لا يتعذر عليه ولا يمتنع تعلق بمعلوم انتهى.
وفي قوله لأن العالم الذات فيه دسيسة الاعتزال لأن من مذهبهم نفي الصفات فهو عالم لذاته لا يعلم عندهم.
{ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانًا} أي حجة وبرهانًا سماويًّا من جهة الوحي والسمع {وما ليس لهم به علم} أي دليل عقلي ضروري أو غيره.
{وما للظالمين} أي المجاوزين الحد في عبادة ما لا يمكن عبادته {من نصير} ينصرهم فيما ذهبوا إليه أو إذا حل بهم العذاب.
{وإذا تتلى عليهم آياتنا} أي يتلوه الرسول أو غيره {آياتنا} الواضحة في رفض آلهتهم ودعائهم إلى توحيد الله وعبادته {تعرف في وجوه الذين كفروا} أي الذين ستروا الحق وغطوه وهو واضح بين والمنكر مصدر بمعنى الإنكار.
ونبه على موجب المنكر وهو الكفر وناب الظاهر مناب المضمر كأنه قيل: تعرف في وجوههم لَكِنه نبه على العلة الموجبة لظهور المنكر في وجوههم، والمنكر المساءة والتجهم والبسور والبطش الدال ذلك كله على سوء المعتقد وخبث السريرة، لأن الوجه يظهر فيه الترح والفرح اللذان محلهما القلب.
{يكادون يسطون} أي هم دهرهم بهذه الصفة فهم يقاربون ذلك طول زمانهم، وإن كان قد وقع منهم سطو ببعض الصحابة في شاذ من الأوقات. قال ابن عباس: {يسطون} يبسطون إليهم. وقال محمد بن كعب: يقعون بهم. وقال الضحاك: يأخذونهم أخذًا باليد والمعنى واحد.
وقرأ عيسى بن عمر يعرف مبنيًّا للمفعول المنكر ووقع {قل} هل أنبئكم {بشر من ذلكم} وعيد وتقريع والإشارة إلى غيظهم على التالين وسطوهم عليهم، أو إلى ما أصابهم من الكراهة والبسور بسبب ما تلي عليهم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{أَلَمْ تَعْلَمْ}.
استئنافٌ مقرِّرٌ لمضمونِ ما قبله، والاستفهامُ للتَّقرير أي قد علمتَ {أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا في السماء والأرض} فلا يخفى عليه شيءٌ من الأشياء التي من جُملتها ما يقوله الكَفَرةُ وما يعملونَهُ {إِنَّ ذلك} أي ما في السماء والأرض {في كتاب} هو اللَّوحُ قد كُتب فيه قبل حدوثِه فلا يُهمنَّك أمرُهم مع علمِنا به وحفظِنا له {إِنَّ ذلك} أي ما ذُكر من العلمِ والإحاطةِ به وإثباتِه في اللَّوحِ أو الحكم بينكم {عَلَى الله يَسِيرٌ} فإنَّ علمَه وقدرتَه مُقتضى ذاتِه فلا يَخْفى عليه شيءٌ ولا يعسرُ عليه مقدورٌ.
{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} حكايةٌ لبعض أباطيلِ المشركينَ وأحوالِهم الدَّالَّةِ على كمال سخافةِ عقولهم وركاكةِ آرائِهم من بناء أمرِ دينِهم على غيرِ مَبْنى من دليلٍ سمعيَ أو عقليَ وإعراضِهم عمَا أُلقي عليهم من سلطانٍ بيِّنٍ هو أساسُ الدِّينِ وقاعدتُه أشدَّ إعراضٍ أي يعبدُون متجاوزينَ عبادةَ الله {مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ} أي بجوازِ عبادتِه {سلطانا} أي حجَّةً {وما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ} أي بجواز عبادتِه {عِلْمٍ} من ضرورة العقلِ أو استدلاله {وما للظالمين} أي الذينَ ارتكبُوا مثل هذا الظُّلمِ العظيمِ الذي يقضي ببطلانِه وكونِه ظُلمًا بديهةُ العقولِ {مِن نَّصِيرٍ} يساعدُهم بنصرةِ مذهبِهم وتقريرِ رأيهم أو بدفعِ العذابِ الذي يعتريهم بسببِ ظلمِهم.
{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ ءاياتنا} عطفٌ على يعبدونَ وما بينهما اعتراضٌ. وصيغة المضارعِ للدِّلالةِ على الاستمرارِ التَّجدُّدِي {بينات} أي حالَ كونِها واضحاتِ الدِّلالةِ على العقائدِ الحَقَّةِ والأحكام الصَّادقةِ أو على بُطلانِ ما هم عليه من عبادةِ الأصنامِ أو على كونِها من عند الله عز وجل {تَعْرِفُ في وُجُوهِ الذين كَفَرُواْ المنكر} أي الإنكار كالمُكرَم بمعنى الإكرامِ أو الفظيعَ من التَّجهمِ والبُسورِ أو الشَّرِّ الذي يقصدونَهُ بظهورِ مخايلِه من الأوضاعِ والهيئاتِ وهو الأنسبُ بقوله تعالى: {يكادون يَسْطُونَ بالذين يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ ءاياتنا} أي يَثِبُون ويبطِشُون بهم من فرط الغيظِ والغضبِ لأباطيلَ أخذُوها تقليدًا وهل جهالةٌ أعظمُ وأطمُّ من أنْ يعبدُوا ما لا يوهم صحَّةَ عبادتِه شيءٌ ما أصلًا بل يقضي ببطلانِها العقلُ والنَّقلُ ويظهروا لمن يهديهم إلى الحقِّ البيِّنِ بالسُّلطانِ المُبينِ مثلَ هذا المنكرِ الشَّنيعِ كَلاَّ ولهذا وضعَ الذين كفروا موضعَ الضَّميرِ.
{قُلْ} ردًّا عليهم وإقناطًا عما يقصدونَه من الإضرارِ بالمسلمينَ {أَفَأُنَبّئُكُم} أي أأخاطبُكم فأخبرُكم {بِشَرّ مّن ذلكم} الذي فيكم من غيظكم على التَّالينَ وسطوتِكم بهم أو مما تبغونَهم من الغوائلِ أو مما أصابكم من الضَّجرِ بسبب ما تلَوه عليكم {النار} أي هو النَّارُ على أنَّه جوابٌ لسؤالٍ مقدَّرٍ كأنَّه قيل: ما هو؟ وقيل: هو مبتدأٌ خبرُه قوله تعالى: {وَعَدَهَا الله الذين كَفَرُواْ} وقرئ النَّارَ بالنَّصبِ على الاختصاص وبالجرِّ بدلًا من شرَ فتكون الجملةُ الفعليةُ استئنافًا كالوجهِ الأول أو حالًا من النَّارِ بإضمار قَدْ {وَبِئْسَ المصير} النار. اهـ.

.قال الألوسي:

{أَلَمْ تَعْلَمْ}.
استئناف مقرر لمضمون ما قبله، والاستفهام للتقرير أي قد علمت {أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا في السماء والأرض} فلا يخفى عليه شيء من الأشياء التي من جملتها أقوال الكفرة وأعمالهم {إِنَّ ذلك} أي ما في السماء والأرض {في كتاب} هو كما روي عن ابن عباس اللوح المحفوظ، وذكر رضي الله تعالى عنه أن طوله مسيرة مائة عام وأنه كتب فيه ما هو كائن في علم الله تعالى إلى يوم القيامة، وأنكر ذلك أبو مسلم وقال: المراد من الكتاب الحفظ والضبط أي أن ذلك محفوظ عنده تعالى، والجمهور على خلافه، والمراد من الآية أيضًا تسليته عليه الصلاة والسلام كأنه قيل إن الله يعلم الخ فلا يهمنك أمرهم مع علمنا به وحفظنا له {إِنَّ ذلك} أي ما ذكر من العلم والإحاطة بما في السماء والأرض وكتبه في اللوح والحكم بينكم، وقيل {ذلك} إشارة إلى الحكم فقط، وقيل إلى العلم فقط، وقيل إلى كتب ذلك في اللوح، ولعل كونه إشارة إلى الثلاثة بتأويل ما ذكر أولى {عَلَى الله يَسِيرٌ} فإن علمه وقدرته جل جلاله مقتضى ذاته فلا يخفى عليه شيء ولا يعسر عليه مقدور، وتقديم الجار والمجرور لمناسبة رؤوس الآي أو للقصر أي يسير عليه جل وعلا لا على غيره.
{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} حكاية لبعض أباطيل المشركين وأحوالهم الدالة على كمال سخافة عقولهم وركاكة آرائهم وهي بناء أمرهم على غير مبنى دليل سمعي أو عقلي وإعراضهم عما ألقى إليهم من سلطان بين هو أساس الدين أي يعبدون متجاوزين عبادة الله تعالى: {مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ} أي بجواز عبادته {سلطانا} أي حجة، والتنكير للتقليل، وهذا إشارة إلى الدليل السمعي الحاصل من جهة الوحي.
وقوله سبحانه: {وما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ} إشارة إلى الدليل العقلي أي ما ليس لهم بجواز عبادته علم من ضرورة العقل أو استدلاله، والحاصل يعبدون من دون الله ما لا دليل من جهة السمع ولا من جهة العقل على جواز عبادته، وتقديم الدليل السمعي لأن الاستناد في أكثر العبادات إليه مع أن التمسك به في هذا المقام أرجى في الخلاص إن حصل لوم من التمسك بالدليل العقلي، وإن شككت فارجع إلى نفسك فيما إذا لامك شخص على فعل فإنك تجدها مائلة إلى الجواب بأني فعلت كذا لأنك أخبرتني برضاك بأن أفعله أكثر من ميلها إلى الجواب بأني فعلته لقيام الدليل العقلي وهو كذا على رضاك به وإنكار ذلك مكابرة، وقد يقال: إنما قدم هنا ما يشير إلى الدليل السمعي لأنه إشارة إلى دليل سمعي يدل على جواز تلك العبادة منزل من جهته تعالى غير مقيد بقيد بخلاف ما يشير إلى الدليل العقلي فإن فيه إشارة إلى دليل عقلي خاص بهم، وحاصله أن التقديم والتأخير للإطلاق والتقييد وإن لم يكونا لشيء واحد فافهم، وقال العلامة الطيبي: في اختصاص الدليل السمعي بالسلطان والتنزيل ومقابله بالعلم دليل واضح على أن الدليل السمعي هو الحجة القاطعة وله القهر والغلبة وعند ظهوره تضمحل الآراء وتتلاشى الأقيسة ومن عكس ضل الطريق وحرم التوفيق وبقي متزلزلًا في ورطات الشبه؛ وإن شئت فانظر إلى التنكير في {سلطانا وَعَلَّمَ} وقسهما على قول الشاعر:
له حاجب في كل أمر يشينه ** وليس له عن طالب العرف حاجب

لتعلم الفرق إلى آخر ما قال، ومنه يعلم وجه للتقديم واحتمال آخر في تنوين {سلطانا} غير ما قدمنا، وظاهره أن الدليل السمعي يفيد اليقين مطلقًا وأنه مقدم على الدليل العقلي، ومذهب المعتزلة وجمهور الأشاعرة أنه لا يفيد اليقين مطلقًا لتوقف ذلك على أمور كلها ظنية فتكون دلالته أيضًا ظنية لأن الفرع لا يزيد على الأصل في القوة، والحق أنه قد يفيد اليقين في الشرعيات دون العقليات بقرأئن مشاهدة أو متواترة تدل على انتفاء الاحتمالات.
وذكر الفاضل الرومي في حواشيه على شرح المواقف بعد بحث أن الحق أنه قد يفيد اليقين في العقليات أيضًا وأما أنه مقدم على الدليل العقلي فالذي عليه علماؤنا خلافه، وأنه متى عارض الدليل العقلي الدليل السمعي وجب تأويل الدليل السمعي إلى ما لا يعارضه الدليل العقلي إذ لا يمكن العمل بهما ولا بنقيضهما، وتقديم السمع على العقل إبطال للأصل بالفرع وفيه إبطال الفرع وإذا أدى إثبات الشيء إلى إبطاله كان مناقضًا لنفسه وكان باطلًا لَكِن ظاهر كلام محيي الدين بن العربي قدس سره في مواضع من فتوحاته القول بأنه مقدم. ومن ذلك قوله في الباب الثلاثمائة والثمانية والخمسين من أبيات:
كل علم يشهد الشرع له ** هو علم فبه فلتعتصم

وإذا خالفه العقل فقل ** طورك الزم ما لكم فيه قدم

وقوله في الباب الأربعمائة والاثنين والسبعين:
على السمع عولنا فكنا أولى النهي ** ولا علم فيما لا يكون عن السمع

إلى غير ذلك وهو كأكثر كلامه من وراء طور العقل {وما للظالمين} أي وما لهم إلا أنه عدل إلى الظاهر تسجيلًا عليهم بالظلم مع تعليل الحكم به، وجوز أن لا يكون هناك عدول، والمراد ما يعمهم وغيرهم ودخولهم أولى، و{مِنْ} في قوله تعالى: {مِن نَّصِيرٍ} سيف خطيب، والمراد نفى أن يكون لهم بسبب ظلمهم من يساعدهم في الدنيا بنصرة مذهبهم وتقرير رأيهم ودفع ما يخالفه وفي الآخرة بدفع العذاب عنهم.
{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ ءاياتنا} عطف على {يَعْبُدُونَ} [الحج: 71] وما بينهما اعتراض، وصيغة المضارع للدلالة على الاستمرار التجددي، وقوله تعالى: {بينات} حال من الآيات أي واضحات الدلالة على العقائد الحقة والأحكام الصادقة أو على بطلان ما هم عليه من عبادة غير الله تعالى: {تَعْرِفُ في وُجُوهِ الذين كَفَرُواْ} أي في وجوههم، والعدول على نحو ما تقدم، والخطاب إما لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم أو لمن يصح أن يعرف كائنًا من كان {المنكر} أي الإنكار على أنه مصدر ميمي، والمراد علامة الإنكار أو الأمر المستقبح من التجهم والبسور والهيئات الدالة على ما يقصدونه وهو الأنسب بقوله تعالى: {يكادون يَسْطُونَ بالذين يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ ءاياتنا} أي يثبون ويبطشون بهم من فرط الغيظ والغضب لأباطيل أخذوها تقليدًا، ولا يخفى ما في ذلك من الجهالة العظيمة، وكان المراد أنهم طول دهرهم يقاربون ذلك وإلا فقد سطوا في بعض الأوقات ببعض الصحابة التالين كما في البحر، والجملة في موقع الحال من المضاف إليه، وجوز أن يكون من الوجوه على أن المراد بها أصحابها وليس بالوجه.
وقرأ عيسى بن عمر {يُعْرَفُ} بالبناء للمفعول {المنكر} بالرفع {قُلْ} على وجه الوعيد والتقريع {أَفَأُنَبّئُكُم} أي أخاطبكم أو أتسمعون فأخبركم {بِشَرّ مّن ذلكم} الذي فيكم من غيظكم على التالين وسطوكم عليهم أو مما أصابكم من الضجر بسبب ما تلى عليكم {النار} أي هو أو هي النار على أنه خبر مبتدأ محذوف والجملة جواب لسؤال مقدر كأنه قيل: ما هو؟ وقيل هو مبتدأ خبره قوله تعالى: {وَعَدَهَا الله الذين كَفَرُواْ} وهو على الوجه الأول جملة مستأنفة، وجوز أن يكون خبرًا بعد خبر.
وقرأ ابن أبي عبلة، وإبراهيم بن يوسف عن الأعشى، وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهما {النار} بالنصب على الاختصاص، وجملة {وَعَدَهَا} الخ مستأنفة أو حال من {النار} بتقدير قد أو بدونه على الخلاف، ولم يجوزوا في قراءة الرفع الحالية على الإعراب الأول إذ ليس في الجملة ما يصح عمله في الحال.
وجوز في النصب أن يكون من باب الاشتغال وتكون الجملة حينئذٍ مفسرة، وقرأ ابن أبي إسحاق، وإبراهيم بن نوح عن قتيبة {النار} بالجر على الإبدال من شر، وفي الجملة احتمالا الاستئناف والحالية، والظاهر معنى أن يكون الضمير في {وَعَدَهَا} هو المفعول الثاني والأول الموصول أي وعد الذين كفروا إياها، والظاهر لفظًا أن يكون المفعول الأول والثاني الموصول كأن النار وعدت بالكفار لتأكلهم {وَبِئْسَ المصير} النار. اهـ.